Evelyn Ashamallah
 
BookMark This Page
 

 
Home
Biography
Gallery
Exhibitions
Awards
News
Contacts

25-6-2004

تلامس - قصة قصيرة لإيفلين عشم الله

 

- أنا الكون …

  • أنا فى بيتى بالقاهرة... أعّلق لوحة لى على الجدار ... ثم لوحة لابنى الأكبر على الجدار الصغير الملاصق لجدارى ... بينما تحتل الجدار المواجه لنا لوحة لابنى الأصغر.
  • أنا أتجوّل فى شوارع باريس... بينما أحلم أن أعود سريعاً إلى منزل صديقتى ... أقف فى مواجهة أحد محلات العطور الهنديّة لأشترى لها هدية لعيد ميلادها اذى سنحتفل به يوم 12 مايو 1999 ... نفس اليوم الذى سأغاادر فيه باريس إلى القاهرة.
  • أنا فى دسوق ... فى شتائها القارس و شوارعها المحمّلة بالبشر الموحولون ... ألعب مع صديقتى التى " تقذف واحدة من نوى المشمش من يدها الصغيرة إلى فوق بينما تلتقط أربعة نوايات أخريات من الأرض لتعود لتلتقط الحبّة التى كانت قد قذفتها إلى فوق " ... تعلمت مهارتها فى لعبة " الحبُّو " و لكنّها بقيت فى نظرى "أسطورة اللعبة".
  • أنا فى " تِبسّة " أحمل ابنى الأكبر الذى أكمل العامين و النصف من عمرهعلى كتفىّ مثلما كانت الفلاحات يحملن أطفالهن فى يوم " سوق الخميس " بمدينة دسوق ... تَثبّت هذا الوضع و أنا أحل ابنى الأكبر فى صورة من كاميرا الصديق الذى احتفلنا معه بعيد ميلاد ابنه الأوّل ... أمس.
  • أنا فى روما ... مأخوذة بأسطورية المكان .. شجر عملاق زاهر الإخضرار ( برغم سخونة الجوّ ) و أرض تطرح الخضرة بلا عائق... و نوافير تحكى العجب ... و من أفواه مخلوقاتها تنبعث المياه لتروى العيون الجائعة للجمال!!... و بنات و أولاد يمارسون الحب بشتّى أشكاله فى غابات المدينة الساحرة ...كل شىء ناصع واضح و علنىّ... ظللت أتساءل ... هل وضوح العلاقات ...الحب...الطبيعة ...الفن...الإتقان..الصنعة...؟؟؟ هل كل هذه المعانى هى الحقيقة؟؟؟
  • أنا فى القطار الألمانى الذى ينقلنى من "برلين" إلى إيرفورت" مع خمسة فنانين مصريين... مفتوح قلبى على العالم... لكن الزملاء بصحبتى مستغرقين فى التفكير فى أنفسهم و كيف يكسبون الجولة... جاء إلى المقصورة عجوزان ألمانيّان فوجدا اثنين منّا قد احتلاّ مكانيهما... فزجرانا بألمانية قديمة , فانتقلنا على الفور إلى الأماكن المحددة لنا... و زميلى يضحك من فرط الخجل و هو يوجّه كلمات " بعاميّة الفلاحين المصريين " إلى الشيخ الألمانى الذى قارب التسعين من عمره : "عدّى عدّى يا شملول عدّى" !! ثم انفجرنا جميعاً فى الضحك.
  • أنا مع صديقتى فى باريس.. عند محطة " ستالينجراد" القريبة من منزلها فى "جوديس" نأخذ صورة للذكرى ... و هى تهمّ لتسطحبنى إلى "برج إيفل" و "الشانزليزيه" ...و عقلى مشغول بصورة حيّة...و نحن معاً فى " الجزائر العاصمة" و هى تمدّ الخُطى حتى تكاد أن تجرى أمامى أنا و زوجى., بفستانها الفضفاض ذى الوردات الصغيرة الزرقاء , فقد كنّا متأخرّين على موعد ذهابنا إلى سينما" الموجار " قائلة بصوت علٍ :" ازرب يسرى...ازربى ايفلين"... و علمت أن الكلمة تعنى (أسرع)... كم ضحكت من قلبى على هذا اللفظ... و لكنّه أصبح عندى من الكلمات المأثورة.
  • أنا فى "مدرسة دسوق الإعدادية الثانوية للبنات" ... فى حصة الجغرافيا... فى السنة الثانية الأدبيّة, حيث الأستاذ "كمال شرف" س يشرح لنا درساً عن غابات السافانا و أنا أنظر مُفتَتِنَة إلى قميصه النظيف حتى الثُمالة – بتلك الكسرات غير المعتادة فى الأكمام و تلك الأزرار الذهبية تضوى فى إسوارة القميص, و شعره الناعم الكستنائى, و إعجابه الشديد بنفسه و إعجابه الأكثر شدّة بالدروس التى يلقيها عليناليزيد عليها من ثقافته الشخصية معارف أخرى أكثر أهمية من الكتاب المدرسى, و يدجيه ذات الأظافر المرتّبة النظيفة تصف لنا شكل الإنسان الذى يسكن مناطق السافانا و كيف تتبدّل ملامح البشر من بيئة إلى أخرى.
  • أنا فى "اليونان" , "تسالونيكى" وحدى...و سائق التاكسى الذى اسطحبنى إلى الفندق !!! بدلاً من أن يأخذ المائة التى هى حقّه أخذ الألف... فهذه أول مرةأذهب فيها لليونانو لا أعرف الفر بين المائة و الألف ... "تسالونيكى" بلدة على البحر المتوسط عاديّة و فقيرة...لكنّها تعقد مؤتمراً نسوياً "للسلام" سنة 2000 .
  • أنا عند خالى فى " أبو غنيمة" أشمّ رائحة الياسمين مختلطاً برائحة نوّار البرسيم,أصعد إلى شجرة الجميز العملاقة ... بلا خوف و هدفى هو تلك الثمرات الخضراء المليئة بعصير حليبىّ بطعم السحر... أتجوّل على الممشى مع" لولو" ابنة خالتى و على جسر الأرز.. تقف فجأة و أراها و قد بلّلت يديها فى ماء حقل الأرز ثم تَرَّبَتهما بتراب الجسر و هجمت على الماء لتمسك بقرموط سمك عملاق... جريت فى المقدّمة و أنا أصرخ فرحاً و دهشةً : "الحقى يا تنت قرموط كبير"... و تأتى خالتى إلى منتصف غيط الأرز و هى تأمرنا:"هاتوا الطِشت و الطِشطِيّة" و ندخل جميعاً إلى منتصف الغيط لنَلمّ صيداً أسطورياً من جميع أنواع الأسماك (القروص , البلطى , البياض , القراميط,و حتى أسماك البساريا الصغيرة"...لازال طعم صينيّة السمك فى فمى , و لازال سحر الشواء يشمل كيانى بالسحر و الرغبة الدائمة فى الخير.
  • أنا أمشى فى القاهرة... على كوبرى قصر النيل ...أطل على النيل و تلك الأغنية " الحَليميَّة " تُعَبِّئنى بالحلم (يا تبر سايل بين شطِّين , يا حلو يا اسمر) ... فجأة أسمع صراخ ملىء بالألم... أنظُر لأرى أمين شرطة أخذ فى ضرب ولد فى حوالى الرابعة عشر من عمره, فقير, مقطَّع الملابس...قد دَمِيت أطرافه و فمه من شدة الضرب, أجرى لأهرب من بأس المشهد و أنا أستغيث!! ما الذى فعله ذلك الصغير حتى يموت تحت تلك الأقدام الباطشة.
  • أنا فى ميدان "كنيسة ليورنتس كِرشيه" بمدينة "نورنبرج" الألمانيّة...أجلس على كرسى من كراسىالانتظار أمام تلك النافورة الوحيدة ...أتطلع إلى الوجوه و الأقدام ,أرى ذلك العازف العجوز فأذهب لألقى فى قبعته "بمارك" فيتطلّع إلىّ و يسأل رفيقتى:"أهى مصرية؟" فتجيبه بنَعَم... فيقول لها :"أنا ابن عمها " , ثم يدعو للسادات الذى جعلنا فى سلام دائم.
  • أنا فى الجزائر العاصمة... أقطن و زوجى مع ذلك الصديق الديم بِحَىّ "لافيجرى" , يدور شريط مسجّل للشيخ إمام "ع اللى حاصل فى الحواصل يا سلملم يا سلام " , فجأة يدق الباب بفزع... يفتح الصديق الباب لتدخل شابة مرتعبة بلباس النوم ... عيناها الخضراوان مليئتان بالرعب ... تستنجد بنا, فهى تسكن بالطابق الأرضى و قد أحسَّت بلصوص يحاولون فتح أحد نوافذ شقتها... نزلنل لنستطلع الأمر , فوجدنا الأمر هادىء و لكن الشابة المرتعبة بقيت معنا لحين مجىء زوجها , حيث كانا يستخدمان هذا السكن بشكل مؤقّت كحال و زوجى تماماً... ظلّت تلك المرتعبة الرائعة , هى صديقتى الأقرب "حيث القلب و العينين" ,أدخلتنا إلى عالم ملىء بالأصدقاء... سمعنا (الشيخ إمام ... عدلى فخرى... مرسيل خليفة... خالد الهبر ...فرقة جل جلالة المغربية...أغانى الثوة الجزائرية) , أكلنا معاً ( الحوت ... الكريفيت ) ... أصبحت "عقيلة" هى النافذة الأكثر اتساعاً على عالمى الجديد.
  • أنا فى القاهرة ... أبحث عن سكن با مدّخرات مالية, وعندى طفلان رائعان, أحاول بقوة و عناد و مثابرة إيجاد سكن ... بذات الخمسمائة جنيه فى حوزتى, حتى تستطيع أرجل طفلاى أن تصمدان على تلك الأرض. "لابد من سكن"... أصعد إلى ذلك الجبل المشوَّه...تلك المنازل القميئة فوقَه مُشَوَّشة التواجد , تمر عربات من الصفيح الصدىء تحمل المياه إلى تلك المنازل,كان الحمار يَعرج...و صاحه يضربه بقسوة بالغة... و هو يملأ الدّلو لطفلة مُوَّحَلة مُشَّعَثة... و يمد يده ليضربها على مؤخرتها و فى عينيه نظرة غير مفهومة.
  • أنا ... فى مدينة "تونس"... التى حَمَلَنا إليها الأصدقاء بعربتهم الرينو الفرنسية"سماوية اللون" ... زوج و زوجة و طفل فى شهره الثالث...انا و زوجى و طفلاى,أكمل الأكبر عامه الثانى, أما الصغير فيبلغ التسعة أشهر,مضطَجع فى عربة الأطفال المتينة ِ الصُّنعذات المظلّة و فى يده "الببرونة"مليئة بالحليب, نجلس على المقهى فى الميدان بوسط العاصمة...أحتسى "لاتاى الاخضر مع النَّعنَع"و أنظر لولدىّ بارتيلح و أداعب أطراف ابنى الأكبر و هو يضحك ضحكة سماويّة, ألاحظ اختلاف الناس هنا عن زملاء "المغرب العربى فى الجزائر , هنا تبدو اللهجة بتلك الكسرة فى آخر الكمات أكثر رقة , و هنا تكثُر المقاهى , و تلك البشاشة البادية على ملامح النا , برغم كل ذلك أحببت الجزائر أكثر.
  • أنا طفلة فى روضة الأطفال بمدينة دسوق, يمر على فصلى رجل طويل نحيف تصطحبه (أبلة نادية) البيضاء ذات العيون الخضراء... يتكلم معنا عن الصلاة ... رفعت اصبعى , فابتسم و سألنى: "هل تُصلِّين؟" فههززت رأسى بنعم... فقال :"هيا اتل صلاتك." فتلوت:"يا أبانا الذى فى السموات..... " حتى آخرها ثم تلوت ذلك الدعاء الذى حسبته دائماً هو ختام صلاتى "يا رب خلِّى بابا و خلِّى ماما وارزُق بابا برزقنا."... ضحك الرجل بصوت هزّ المكان و أخذ يُصفّق لى و جعل زملائى يُصَفِّقون لى لمدة طويلة جعلتنى أشعر بالفخر. و بعد سنين طويلة علمت أن ذلك الرجل النحيف الطويل , كان هو صاحب المدرسة.
  • أنا فى القطار الى يقلّنى يومياً من دسوق إلى الإسكندرية"و بالعكس" حيث كنت أدرس الفن فى كلية الفنون الجميلة بالاسكندرية و أسكن بيت أسرتى بدسوق... تجلس جانبى بديوان قطار الخامسة عصراً زميلتى التى تسكن مدينة "قلِّين"... و هى صاحبة الطول الفارع و الفم العريض الضاحك...و صوتها الخافت و طريقتها المنخفضة فى إلقاء الكلام...و تلك النزعة الأرستقراطية فى رنَّة صوتها, و ضَمّة ساقيها بشدة...و حركات يديها الكبيرتين تلك الأظافر الطويلة, و ذلك الفاتح أحمر الوجه ذى الجلباب الصوفىّ الأزرق...سو طاقيتع الطويلة البُنّيّة , و بلا استئذان يزيحها و يجلس جانب الشبّلك...يقف القطار بمحطّة دمنهور, فيصعد أبى حيث كان غالباً ما يركب نفس القطار, فقد كان يعمل فى مدينة دمنهور...و يأتى بابتسامته المرحِّبة...فيقبِّلنى من خدِّى ...و يُسًلِّم على زميلتى و يهدى السام إلى والدها و يخلع نظارته "البيرسل" ليجفف العرق عن جبهته و عينيه... فألمح جمال تلك العينين و حِدَّتْهما ... بعد أن وضع نظارته ...لمح ذلك الفلاح و هو يحاول الاقتراب من زميلتى ... و يطلب منه أبى و هو يصطنع الهدوء :"من فضلك لِمّ نفسك شوَيَّة".فلا يرد الرجل و ينظر من الشباك... فيعيد أبى:"ياابنى ابعِد شويَّة , أو تعالى مكانى", فيجيب :" لَعْ", فيفقد أب صبرَه و يمسك بتلابيبه ليحمله خارج الديوان و هو يهمهم :"و انتَ قفاك عامل ىّ البُلغَة الفاسى... جاتك الغمّ"...و نضحك جميعاً فقد أراحنا أبى من الغُمَّة.
  • أنا فى الاسكندرية... أقيم أول معرض للوحاتى بعد تخرُّجى ( بواحد و ثلاثين عاماً) , أتأمل ذلك الزمن الماضى عبر ملامح الزملاء القليلين الذين حضروا لمجاملتى...تلك الوجوه التى امتلأت بالتجاعيد و الهموم ...و تلك التيحان البيضاء التى احتلَّت مكان الشعر الأسود ... سواء كان ناعماً أو خشناً... و عبر الهاتف يأتينى صوت الزميل الذى لم يحضر المعرض..." سأحضر حالاً لا تغادرى مكانك و لازم آخدك بالحضن", بعد ساعة يأتينى زميل رحلة الخمس نوات القديمة...و السِّمنة باديَةً عليهو علامة الصّاة على جبهته...يصعد السُلَّم على عَجَلٍ... و يحيطنى بيديه...اندهشت ...لكننى علمت أن قسوة الأيام و تشوّههاتها لم تستطيع أن تقضى على على عمق المشاعر.
  • أنا فى الشرفة الصغيرة بمنزلى بالقاهرة ... أكتب ثم أنظر إلى السماء... بعد قليل ستهبط الشمس وراء أبعاد غير منظورة... أنظر فى منتصف السماء فأرى القمر ... نصف قمر أبيض ... تبدو فيه تلك التهويمات الرماددية, أدقق النظر فيه ...فأرى نصفه الآخر مختبأً فى الأزرق, و أرى فيه بدايةً لعمرٍ يكاد أن يكتمل ...و بعد عدّة دورات سيُتِم القمر اكتماله ليبدا فى التناقص من جديد.
- و أنا الكون ... أبدأ رحلتى التى لا تنتهى بانتهاء ما أكتب... أركب الهواء و أحوم و أرفرف فوق كل الألوان ... ألملم ذرات الصفر لأضيفها إلى الأزرق ...أغوص فى أعماق الأحمر.. أخرج إلى الأبيض... هكذا الوجوه و الأرواح... تتلوَّن بكل الألوان و لاتنتهى ...
و اللحظات تأتى و لاتختفى أبداً.
 
 
   
Home  |  Salam Yousry